المصطلحات والأفكار الملازمة للأرقام هي مفتاح الفهم، فالقارئ عند قراءته لدراسة أو احصائية يجب أن يتبادر إلى ذهنه سؤال ماذا تقصد؟ ما معنى “الكسل” في عبارة السعوديون أكثر الشعوب كسلاً؟ وما معنى “التفاؤل” في عبارة السعوديون أكثر الشعوب تفاؤلاً؟ وما معنى “براءة الاختراع” في عبارة المملكة الأولى عربياً في براءات الاختراع؟ وما معنى “التعبير عن المشاعر” في عبارة السعودية الثامنة عالمياً في التعبير عن المشاعر على تويتر؟ ما معنى “مصاب،” “حادث،” “عنوسة” وغير ذلك.

معنى “الكسل” في عبارة السعوديون أكثر الشعوب كسلاً؟ وما معنى “التفاؤل” في عبارة السعوديون أكثر الشعوب تفاؤلاً؟ وما معنى “براءة الاختراع” في عبارة المملكة الأولى عربياً في براءات الاختراع؟ وما معنى “التعبير عن المشاعر” في عبارة السعودية الثامنة عالمياً في التعبير عن المشاعر على تويتر؟ ما معنى “مصاب،” “حادث،” “عنوسة” وغير ذلك.

من المفيد هنا الإشارة إلا أن أساس الاحصاء هو التصنيف، وهي آلية ذهنية لفرز وتوزيع العناصر المختلفة، فالمصاب هي تصنيف للناس بين سليم ومصاب، والعنوسة تصنيف بين متزوج وعانس، وهكذا الكسل والنشاط والتفاؤل والتشاؤم، ومن النظريات الشهيرة في علم نفس الذهن والعلوم الذهنية لفهم تركيبة عناصر التصنيف وعلاقتها ببعض نظرية النماذج Prototype Theory والتي طورتها البرفسورة إلينور روش في السبعينات من القرن الماضي خلال سلسة أبحاثها الشهيرة التي قامت بها في جامعة بيركلي، وتوضح هذه النظرية أن الأصناف بها عناصر مركزية أو نموذجيه ممثلة للصنف وأخرى طرفية هامشية وعناصر خارج التصنيف بطبيعة الحال.

فعلى سبيل المثال تشير النظرية إلى أنه عند الحديث عن صنف “الأثاث” فالطاولة والكرسي عناصر مركزية ونموذجية أي أن هذه العناصر هي أول ما يتبادر من أمثلة للذهن عند ذكر “الأثاث” ومما يتفق عليه اكثر الناس بينما الثلاجة والإنارة عناصر طرفية بالنسبة لـ”الأثاث،” وتستغرق وقتاً أطول لتمييزها أو تذكرها ولا تكون من أوائل الأمثلة المتبادرة للذهن عند ذكر صنف “الأثاث.” ومن الأمثلة “الطيور” فالحمامة والعصفور مركزيين للطيور بينما البطريق والنعامة ليسا مركزيين وأما الخفاش فقد يختلف فيه البعض بين الطيور أو الثديات مما يجعل حدود تصنيف “الطيور” من جهة ذهنية أي بالطريقة التي يفكر بها الناس اتجاه “الطيور” حدود غير واضحة تماماً وقد تتداخل مع غيرها. من المهم الإشارة أن عناصر الصنف الواحد “الطيور” كالحمامة والعصفور والنعامة والبطريق لا تشترك في جميع الصفات والخصائص المعرفة للصنف بل هي أشبه ما تكون بالشبه العائلي فأفراد العائلة لا يلزم تطابقهم في جميع الصفات والخصائص وكذلك عناصر التصنيف الواحد.

وسنطبق الطلام السابق عن التصنيف على براءات الإختراع، ففي دراسة بعنوان “المملكة الأولى عربياً في براءات الإختراع” نشرت في صحيفة الوطن أيضاً بتاريخ 7/3/2012 ((كشف التقرير السنوي لتسجيل براءات الاختراعات في العالم الصادر عن المنظمة الدولية للملكية الفكرية “وايبو” تصدّر السعودية المرتبة الأولى عربيا بتسجيل 147 براءة اختراع العام الماضي تلتها الإمارات بـ 39 اختراعا. وجاءت مصر في المرتبة الثالثة بتسجيل 33 براءة اختراع تلتها المغرب بـ 17 براءة اختراع ثم تونس بثماني براءات، فسورية بخمسة اختراعات فالكويت والجزائر بأربعة لكل منهما، بينما اكتفت الأردن ولبنان واليمن بتسجيل براءة اختراع واحدة لكل منها. ويمثل حلول السعودية على رأس القائمة العربية قفزة نوعية بعدما كانت سجلت 81 براءة اختراع في عام 2010 ، ….التي سجلت منها 45 براءة اختراع في عام 2007))

وفي نفس السياق نشرت صحيفة الاقتصادية بتاريخ 20/3/2013، العنوان التالي “491 مجموع براءات الاختراع العربية مقابل 1377 لإسرائيل” وفي نص الخبر ” تقدمت السعودية على الدول العربية مِن حيث عدد طلبات حقوق الملكية الفكرية التي قدمتها للمنظمة العالمية للحقوق الفكرية (ويبو) في عام 2012، غير أن عدد الطلبات التي قدمتها إسرائيل تجاوزت مجموع طلبات كافة الدول العربية بمقدار ثلاث مرات تقريباً.”

بالنظر للخبرين السابقين في صحفتي الوطن والاقتصادية تبين أن كلا الصحفتين تعرفان براءة الإختراع بصورتين مختلفة “تسجيل” و “عدد طلبات التسجيل المقدمة” والفرق بينهما كبير فقبول طلب براءة الإختراع يختلف تماماً عن طلب تسجيل براءة اختراع، فبحسب تقرير مكتب الولايات المتحدة لبراءات الإختراع والعلامات التجارية لعام (2016) فإن نسبة قبول البراءات لا تتجاوز 54%، وبمعدل 16.2 شهر للحصول على رد.

ومن المهم الإشارة إلى معنى براءة الإختراع فهو دلالة على عناصر مختلفة داخل تصنيف براءات الإختراع ويمكن البحث في غوغل الخاص ببراءات الاختراع على الاختراعين التاليين: الأول جهاز الهاتف الذي اخترعه ألكسندر جرهام بل المسجل باسمه برقم 174,465 والثاني جهاز ضرب المؤخرة والمسجل باسم جو أرمسترونغ بتاريخ 25/9/ 2001 وبرقم 6,293,874. كلاهما جهازين مسجلين كبراءة اختراع إلا أن الذهن يتبادر للأول دون الثاني، فالهاتف مركزي بالنسبة لبراءات الاختراع وهو حاضر في الذهن بينما جهاز لضرب المؤخرة وإن كان تقنياً مسجل كبراءاة اختراع إلا أنه اختراع طرفي.

جهاز الهاتف
جهاز ضرب المؤخرة

فالسؤال المشروع (ماذا تقصد؟ وما هو معنى الاختراع/ الابتكار)، نشرت صحيفة الرياض بتاريخ 26/12/ 2015 العنوان التالي “ابتكار سعودي حصل على براءة اختراع “صحن ولائم” يقلل فائض الأرز بنسبة 30%”، ومن المخترعات المعروضة في اللقاء الرابع للمخترعين السعوديين صينية فناجيل ذات أعمدة للحماية الذاتية، خلاط ومدق يدوي في آن واحد، حافظة طعام مزودة بصينية فرن، غلاف كتاب مزود بالاضاءة. هذا لا ينفي وجود براءات اختراع في قطاع الطاقة والبتروكيماويات وغيرهما إلا أنه ينبغي التساؤل دوماً (ماذا تقصد؟)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *